عودة الى الروح

26/07/2010 18:07

 

أن المشهور في تعريف النفس مذهبين، الأول هو إن النفس جوهر مجرد وهو حال في الجسم ومدبر للبدن وهو قول الحكماء ومأثور عن الشيخ المفيد، والمذهب الثاني إنها جوهر، وهي أصلية في البدن، وهو رأي اكتشفه صدر المتألهين، فالإنسان بعد أن يكتمل نموه في بطن أمه تتولد النفس، وتنطلق من البدن بإذن الله  . و هناك الآراء المتعددة في تعريف النفس، و أنها مجردة، وليست مادة، مجردة عن المادة والجسمية والكيفية، فهي جوهر بسيط.  ونبه إلى ضرورة إلا يتبادر للذهن ما كتبه توفيق الحكيم عن في روايته الشهيرة عودة الروح، و إنما المقصود بعنوان المحاضرة إن العودة إلى حديثه المتعلق بالنفس في شرح حديث أمير المؤمنين الإمام علي «ع « :» من عرف نفسه فقد عرف ربه » ، وقال سماحته «بيننا وبين توفيق الحكيم بون شاسع، فهنا علي بإشراق نوراني وفلسفة إلهية يعرف النفس، فمنها إلى ربها تزداد معرفة، فهي المجاز وباريها هوا لهدف القدامى ذكروا أن النفس مادية؟!

و أن العلماء قد تحيروا في معرفة النفس وهل هي مادية أم مجردة، منوها في هذا السياق إلى الفرق بين المادي والمحسوس، وقال إن المادي هو المحسوس المركب الذي نراه بأعيننا، والمجرد هو غير المادي،أي انه مجرد عن شئون المادة، كالملائكة والأرواح المتعلقة بالعرش والعقول، فهي مجردة عن شئون المادة وهي الكيفية والكمية والتحديد بالمكان، أما نحن البشر فنحن ماديون يحدنا المكان والزمان والكيفية، ولقد اختلف العلماء في النفس هل هي مادية أم مجردة.  و إن الشعوب البدائية كانت تعتقد بان الروح أو النفس مادية ولذا عبروا عنها بالظل والنفس والدم ،وبالمناسبة لفظ الدم من المصطلحات الفقهية ، فقد اصطلح الفقهاء على الدم بأنه نفس، وذلك في مسالة الحيوان، الذي اختلفوا في دمه هل هو نجس أم طاهر، فقالوا أن الدم النجس هو الذي يخرج من الحيوان ذي النفس السائلة إي صاحب الدم السائل، فالحيوانات كما هو معلوم على قسمين، قسم إذا جرحت دمها يسيل وينطلق انطلاقا كالذبيحة الكبيرة والإنسان، فهذا القسم الذي دمه يجري، قال الفقهاء أن دمه نجس، أما من لا يجري دمه كالسمك فقد قالوا أن دمه طاهر .» وذكر أن القدماء قالوا أن النفس مادية، أم غير القدماء فقالوا أن النفس غير مادية وإنها خالدة غير فانية وثالثا غير مجسدة، وهي قادرة على أن توجد في انفصال واستقلال عن الجسد، وبالتالي إذا مات الإنسان أو نامت عينه انفصلت نفسه عن الجسد وذلك قوله تعالى «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون »، فالنفس شي لا مادي ولذا عند النوم تنفصل النفس وكذلك عند الموت، لأنها مستقلة عن الجسد، وهي توجه الجسد وليست داخلة فيه وهذا هو المذهب الذي ذهب له الأنبياء بشان النفس «في أدبياتنا جاء لفظ النفس مشتركا لأمور كثير، والمقصود بالاشتراك هو استخدام كلمة واحدة في معاني كثيرة، وهذا ديدن جميع اللغات، وليس فقط في اللغة العربية كما قال بعض العلماء، فالاشتراك موجود في اللغات الانجليزية والفرنسية والفارسية والوردية، لتوضيح المقصود بالاشتراك يضرب المثال عادة بكلمة عين، فكلمة عين تطلق على العين الباصرة والعين النابعة وتطلق على الذهب والفضة، كما تطلق على الشخصية المحترمة، فيقال مجلس الأعيان، فهي كلمة واحدة ولها معان كثيرة ويسمى هذا الاشتراك، كذلك كلمة نفس لها تسع معاني، حالها حال كلمة عين، فهي تطلق على الجسد، فيقال جلس بنفسه، وتطلق على الدم كما هو في الفقه، وتطلق على الشخص، فيقال جاء زيد نفسه، وتطلق على ذات الشي، فيقال الشي نفسه، وتطلق على العظمة والعزة والهمة والأنفة والإرادة، وذلك حسب الاستقراء وجدنا أن النفس لها تسع معان، فالباحث يقع في صعوبة إذا أراد أن يعرف النفس، لأنه يصطدم بهذه المعاني الموجودة إمامه، ونحن لسنا بصدد الحديث عن هذه المعان التسع، وإنما نحن نتحدث عن النفس الإنسانية. ، وما قاله الفلاسفة اليونانيون في النفس، و أن أفلاطون عرف النفس بأنها ليست جسما بل جوهر بسيط، لان المادي مركب فلا يوجد شي مادي غير مركب، والشي البسيط هو غير مادي وغير مركب، ولذا يجوز لنا، وأن كان به شي من قلة الأدب أن نقول أن «الله بسيط » لأنه غير مادي، أي لا يحده مكان أو زمان. فالنفس بسيطة محركة للبدن حسب رأي أفلاطون. ثم جاء أرسطو، وهو تلميذ أفلاطون، وقال أن النفس هو كمال أول لجسم طبيعي، فالكمال الأول هو الذي يتوقف عليه الجسم ويتقوم به

ذاته، إي انه الكمال الأول لجسم طبيعي إلي، أي أن الجسد آلة للروح تستخدمها الروح لأجل أن تتوصل هي إلى مراتب المادة، إي أن النفس لو لم يكن لها الجسد لبقيت غير مادة، والله جعل الجسد اله للنفس للوصول للكمال، فنحن بعد هذه الحياة الفانية سنذهب للآخرة، فإذا كملنا أنفسنا أدخلنا في ضيافة الله وهي الجنة «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الر ربك راضيه مرضيه فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ،»فتكون راضية مرضية، إذا أدت الكماليات في هذه الحياة، والكمال في الحياة يتحقق بطاعة المولى، فالجسد يصلي ويحج ويؤدي الحق للفقير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وبذلك تصل النفس للكمال، فالجسد آلة للنفس تحركها النفس من اجل كسب المعارف، فإذا صلى الجسد خرجه طابع نوراني من الجسد وضربت به النفس، أما إذا استخدم الجسد لمعصية الله فان الجسد يرسل إشارات ظلماء للنفس، فتظلم النفس، ثم بعد ذلك لا تكون مستحقة للدخول إلى جوار الله .» ماذا يقول ابن سيناء؟ الرئيس ابن سيناء ووارث فلسفة اليونان، وذكر انه استفاد من التعريفين وجاء بتعريف ثالث، فقال إن النفس جوهر روحاني، وهذا استفادة من أفلاطون، وهي كمال أول لجسم طبيعي إلي من جهة ما يتولد ويربو ويتغذى، وهذا استفادة من أرسطو. وتابع «انظر ماذا أضاف الشيخ الرئيس، هو عالم فلسفي كبير، خلاف لما يقوله الغربيون بان ليس عندنا فلسفة، نحن لدينا فلسفة، نعم أخذنا من اليونانيين، كما أخذنا من البابليين، الشيخ الرئيس اخذ من هذا ومن ذاك، فالإنسان من حيث ما يتولد هذا الجسم ويربو ويتغذي يسمى النفس الحيوانية، والإنسان عنده نفس تتوالد وتتربى وتتغذى، ومن جهة ما يدرك الجزئيات، يسمى النفس الناطقة، فالإنسان يدرك الجزئيات ويعرف ماذا يجنبه وبتحركه يشبه الحيوان، إما إذا اعمل الإنسان فكره واخذ يدرك أشياء أخرى ويستنبط أشياء أخرى، فالإنسان عنده النفس الناطقة والنفس الحيوانية، بخلاف الحيوان الذي يشترك مع الإنسان في الحركة فقط .» وأضاف «القول الرابع هو ما قاله آخرون، وهو إن النفس منبع الحياة ومبدأ الفكر وهي حقيقة تتميز عن البدن، إما الماديون فقالوا إن النفسي مادة، والمادة عرفوها بالنار والهواء والحرارة وقال آخرون بأنها مزيج من الأخلاق، وما يقوله الماديون هراء .» ماذا قال أساتذة الغرب؟! ما يقوله الفلاسفة الغربيون، وفي مقدمتهم الفيلسوف الشهير ديكارت، وذكر ن ديكارت ناقش القول بأنها مادي، فقال إن النفس ليست مادية لان جوهرها هو الفكر، فالإنسان يفكر بنفسه، والفكر ليس مادي، والمفكر هو النفس، فهي ليست مادية، والمادي من طبعه الامتداد طول وعرض وعمق، فهل الروح فيها هذا الامتداد؟! وبين إن ديكارت أكد أن جميع الخواص الموجودة للبدن ليست موجودة في الروح، فهي بذلك جزء مستقل عن الروح، وهي ليست مادة. أما الرأي الخامس، فهو الرأي الذي يقول أن الإنسان كسائر المخلوقات، لكنه يتميز بالأخلاق، فلا يوجد مخلوق عنده أخلاق غير الإنسان، بما فيهم الملائكة، فالملائكة أجهزة تنفذ الأوامر الإلهية فورا، ولا يمكن وصفهم بالأخلاق، «وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون،لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون »، فهم أجهزة لا تكون لديهم إرادة في المعصية بخلاف الإنسان الذي يمتلك إرادة للمعصية. فالأخلاق مخصوصة بالإنسان ورسالات الأنبياء جاءت لتنمية الأخلاق، والنبي الخاتم جاء ليكملها، قال النبي «ص « :» بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » فالأنبياء بتوا البيت والنبي الخاتم أتمه. و إن مبعث الأخلاق العظيمة هي النفس، فهي حالة تبعث الإنسان لفعل الأخلاق الجيدة، فالحيوان ليس لديه ضمير ولا وجدان، إذن من معاني النفس الأخلاق. أما الرأي السادس في النفس، وقد ذهب له الفيلسوف الشهير ديكارت:

 هو أن النفس وجود مستقل وتعيش بجانب الجسد.

ماذا يقول المحدث الكاشاني؟

أما الرأي السابع الذي تبناه الفقيه الكبير المحدث آية الله العظمى الفيض الكاشاني،حيث قال الفيض الكاشاني «اعلم إن المذاهب في حقيقة النفس أربعة عشر مذهبا وقد نقلها الشيخ بهاء الدين ألعاملي في الكشكول، .. ، والرابع عشر هو أن النفس جوهر مجرد عن المادة الجسمية وعوارض الجسم، لها تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، والموت هو قطع هذا التعلق، وهذا هو مذهب الحكماء الإلهيين وأكابر الصوفيين والاشراقيين وعليه استقرار رأي المحققين والمتكلمين كالإمام الرازي والإمام الغزالي وهو الذي أشارت إليه الكتب السماوية وانطوت عليه الأنباء النبوية وقادت إليه الإمارات الحدسية والمكاشفات الذوقية، فالحق أن النفس جوهر لطيف نوراني، مدرك للجزئيات والكليات، حاصل في البدن، متصرف في البدن، غني عن الابتداء، لا يفنى ولا يكبر، ولم يبعد بقاء النفس بعد موت البدن .و أن المشهور في تعريف النفس مذهبين، الأول هو أن النفس جوهر مجرد وهو حال في الجسم ومدبر للبدن وهو قول الحكماء مأثور عن الشيخ المفيد، والمذهب الثاني أنها جوهر، وهي أصلية في البدن، وهو رأي اكتشفه صدر المتألهين، فالإنسان بعد أن يكتمل نموه في بطن أمه تتولد النفس، وتنطلق من البدن بإذن الله، وعلى  هناكوجود فرق بين النفس والروح