علي بين كلمات ثلاث
احتوت ، وانطوت حياة أمير المؤمنين بين كلمات ثلاث هي: كلمة حق أريد بها حق ، كلمة باطل أريد بها باطل ، كلمة حق أريد بها باطل. قد يكون هذا التقييم عليلا غريبا فاستمع لما يتلى ولا يتصور تربيعها لعدم معقولية الرابعة، اعني: كلمة باطل أريد بها حق ، فان الحق لا يطلب بباطل إذ لا تنبت روحة الحق بدمن الباطل فالحق منبته الحق عوداً وبدءً لذا قال )ص( : علي مع الحق والحق مع علي فالتلازم بينهما ضروري.. لوحدة الهدف واتحاد المرمى! وهناك ملازمة بين الحق وبين علي: كملازمة حركة الأصابع للكاتب، وهل رأيت كاتبا غير متحرك الأصابع؟ وكملازمة الضوء للشمس .. وهل رأيت شمساً بلا ضياء؟ وكملازمة الإحراق للنار ... وهل رأيت ناراً موقدة بدون إحراق؟
وكملازمة الجمال ليوسف... وهل رأيت رؤى يوسف حيناً من دون جمال؟ وكملازمة الرسالة للرسول ... وهل رأيت رسولاً بلا رسالة؟
إذن فحياة علي يؤطرها مثلث! لكن لا كالمثلث الرياضي. فهو ليس منفرج الزوايا، ولا مستقيم الزوايا ولا حاد الزوايا بل ، صعب الزوايا، وقصدنا من هذا الوصف إن حياة الإمام )ع( كانت محاطة بأحداث جلي، تتجلى فيها الاختبارات لهذه الشخصية الفذة التي باعت نفسها )لله( فوفاها الله جزاء الصابرين.
نعود فنقول : إن الكلمة الأولى هي كلمة حق أريد بها حق وكان علي )ع( منذ ان فتح عينيه يتعايش معها ، فهي كلمة حق أريد بها حق ، كانت غذاءه الروحي.. وكان يسمعها من الرسول )ص( .. ترن في سمعه.. تقرع سمعه تصل إلى أعماق قلبه.. ينبض بها قلبه. ويطمئن بها كيانه.. يتحرك بها وجدانه.. تجري في أعماق وأعماق أعماقه لتخلق منه بطلاً عملاقاً، يدوي اسمه في الكون إرجاء وأفاقا. يرفع طرفه إلى السماء فيراها كلمة حق أريد بها حق... يتأمل في الوجود الرحب والكون غير المتناهي حيث يتسع على الدوام فيرى هذه الكلمة تخترق حجب الأكوان عليٌ... شب على هذه الكلمة، فدق بها ناقوس حياته، وصدح بها مؤذن صلاته وصدع بها داعي الحق في داخل ذاته، كلمة حق أريد بها باطل تلقاها
من الحق هي لا آله إلا الله محمد رسول الله عاش معها علي لأنها شعار الإسلام... مدخل الإسلام. أساس الإسلام. بل أساس الوجود ، دافع عنها..
وطفق يكافح من اجلها، ويناضل لانتشارها ويكدح من اجل رفعتها، ويجاهد لإعلاء شأنها، ويبنى لاكتمال صرحها، وهطلت الصعاب عليه من اجلها بدأت بليلة المبيت على الفراش حيث نال شرف الفدائي الأول لكلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله.
وهذه درجة عسكرية امتاز بها على دون غيره فكان القائد العام للقوات المسلحة المحمدية ونال درجة سامية أخرى في المبيت على فراشه )ص( هي درجة التمثيل لشخص الرسول )ص(. فهو الممثل الشخصي الخاص له )ص( حيث قام مقامه، ونام في منامه. ليجري عليه القضاء والقدر المحتمان.
على سيد البشر!
وكذا تكرر تمثيل علي لرسول الله )ص( صباح تلك الليلة، ثم قام بأداء الأمانات إلى أهلها نيابة عن الصادق الأمين ، وكذا تكرر التمثيل له )ص( في ولايته ورعايته للقاطمات فقام بحملهن وحمايتهن وصحبتهن، خفرات مصونات ليلتحقوا جميعا بالرسول )ص( في المدينة المنورة ، وقام علي يدافع عن هذه الكلمة بكل ما أوتي من قوة خارقة غير مضاهيه لشجاعة الشجعان وبطولات الإقران، فكان
الأسد المغوار والبطل الكرار في جميع الحروب من بدر، واحد والأحزاب وخيبر وحنين ،وكانت احد ضرباته تعادل عبادة الثقلين وعاد بطلاً للمشارق والمغارب وغالب كل غالب. أما الكلمة الثانية: كلمة باطل أريد بها باطل فهي قولهم : »منا أمير ومنكم أمير ». وهي أول كلمة أثرت ظهور الفساد في البر والبحر الخ. وصلت هذه الكلمة سمع علي فكانت كالصواعق «منا أمير ومنكم أمير » ، تعني بإبعادها السياسية
المترامية انقطاع حكومة السماء وتعطيل قانون القرآن، إذ طورت الحكم الإسلامي إلى مناصب انتخابية بين المهاجرين والأنصار وتشكيل حكومة ديمقراطية بمعناها الوضعي، بين الحزبين –المهاجرين والأنصار ، فهي كالولايات الأمريكية المتحدة فيحز بيها أو أللملكة المتحدة في حزبيها ، منا أمير ومنكم أمير.. فيها تناس لبيعة الغدير التي صدع بها البشير النذير، على مرأى ومسمع من الجمع الغفير. منا أمير ومنكم أمير فيها تطبيق وتحقيق لقوله "أفأن مات أو قتل انقلبتم على إعقابكم » وفيها رجوع إلى ما قبل الهجرة من عزم عرب المدينة على بيعة عبد الله بن أبي رأس النفاق ملكا وإعداد تاج له تمت صياغته من أحجار اليمن ، وقاسى علي ما قاسى ، ونال ما نال من اجر، ثقال تهدد الجبال بصبر لا يعلم من وزنه إلا شديد المحال عاد هزبراً قلمت إظفاره ، فالثورة أكلت ولدها، ومن ارسي عمدها وضاعت كلمة النبي المختار: عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور معه أين يدور ، ثم نُسيت الوصية من خميس الرزية إلى اثنين البلية.. وتلاحقت الإحداث المفزعة حتى للأجداث، ثم صح ما قال أبو سفيان،
فقد لاقفها الصبيان، بل النسوان!!
أما الكلمة الثالثة : كلمة حق أريد بها باطل، وهذا ما قاله على أمير المؤمنين في وصف ما قاله الخوارج الحكم لله » ، أنها نظرة غريبة! وكم للخوارج من أنظار تحير الأفكار. وهل يشك احد أن الحكم لله؟
لكن، ما ارتباط هذا بقيام حكومة في المجتمع
نقول: إن الحكم لله تكويناً، وان الحكم لله تشريعاً ، أما حكمه التكويني فتجيزه وتنفذه بإرادته المقدسة، إلا يشرك به أحدا، وإما حكمه التشريعي فهو يتعالى عن القيام، بل على المكلفين أن يقوموا به وينفذوه. فالتقنين منه، والتنفيذ منهم، ولا يحق بحال أن يعود مجتمع بدون حاكم بر أم فاجر كما قال الأمير )ع(، فقولهم لا حكم إلاّ لله قول حق فلا حكم تشريعي إلاّ لله ، أريد بها باطل : أريد بها الفوضى فالمجتمع لا يتم صلاحه وأمنه وأمانه إلاّ بحكومة، كأنهم ما قرؤوا قوله تعالى : »ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع، ومساجد يذكر فيها اسم الله » –الحج: 40، دفع الله الناس أي أن الحكم والحكومة أمر من الله سبحانه. وبالدفع إشارة إلى طبيعة الحكومة التي هي قهر السلطة، والقانون الذي دفاع المعتدين لاستتباب الأمان في البلاد ، وقوله : لهدمت صوامع وبيع ومساجد للدلالة على شمولية الحكم وعمولة الحكومة في الملل والنحل كلها سواءً بسواء
، وفي قوله تعالى : »لولا دفع الله الناس بعضهم بعضاً لفسدت في الأرض-البقرة: 251 . فأن الأرض لا يتم إصلاحها إلاّ بالولاية والحكومة لذا كان أول إنسان في الأرض حاكما وخليفة وتوالت الحكومة، تارة جائرة وتارة عادلة، عند انقسام الناس إلى طبقات اجتماعية، فتم تنظيم سياسي للطبقة السائدة بغرض حماية النظام القائم من جهة وقمع مقاومة المعتدي من جهة أخرى ، بما لديها من تشكيل سلطة عامة مزودة بالجيش والشرطة، والمحاكم والسجون وغيرها، من المؤسسات العقابية والصحية والاجتماعية وذلك لصالح الأمة النشطة والغالبية العظمى ، وهذه السلطة للدولة نفوذ معترف به لأنه شرط جوهري لتطور التطبيق
التاريخي الاجتماعي ، لكن إذا أسئ استخدام السلطة أدى إلى فقد الثقة فيها. أو إلى العبادة العمياء والانقياد المضلل ... ويؤول بالتالي إلى العبادة للأشخاص.
الدولة: شرعت بفضل الخدمة الايثارية للأمة والعمل الدائب بدون انقطاع للشعب وإدراكها العميق للمهمة الملقاة على عاتقها الجاري تنفيذها ، قال تعالى : يا داوود ، فهنا يعرف أن الحكومة تابعة للخلافة وان الخلافة جعلية من قبل الله ، وان الحكومة الآلهية ينفذها منصوب يحكم بالحق ثالث ، والحق يعني الثبات.. ويقابله الباطل والباطل يعني الزوال والضلال وعدم الرشد «فيضلك عن سبيله » لا إلى التيه. وان هذا صراطي وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط - وإذا حكمت بين الناس أن تحكموا بالعدل إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله: يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا فاحكم بينهم بما انزل الله وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما
شجر منهم. أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة. أرأيت كيف ارجع الله الحكم إلى الناس فأي معنى تحكم كلمتهم الجوفاء لا حكم إلاّ لله.
علي ، عاش في مثلث... اعتي صرامة من مثلث برمودا: كلمة حق أريد بها حق... نال في سبيلها ارقي التضحيات. - كلمة باطل أريد بها باطل... تنازعوا ثوبا
ليس لهم بالرداء وتقاسموا ارث سيد الأنبياء لسيد الأوصياء__