إن الحسين قتيل العِبرة والعَبرة

19/11/2012 18:02

إن الحسين قتيل العبرة والعبرة

 

 

كذا ورثنا هذه المقولة ..

مقولة مترامية الأبعاد ، تعكس الملامح الحياتية في قيام ثورة الإمام الحسين المتميزة التي أدت إلى إقامة ألبنية الأساسية التي تصدعت من قبل الحكم الأموي الرجعى – من هذا المنطلق فالحسين عبرة تشتعل به قناديل المسجد والحسينية . وينادى بأذان النفر بالناس.

عِبرة في تعمق قيامه الذي طفق يغزو بصورة متزايدة عقول وأفكار ذوي العقول والأفكار. فكان مناراً للإصلاح في أمة الرسول صلى الله عليه وآله و سلم، والذي وضع نهاية لتواجد الجاهلية الأموية. وكان لقيامه الأهمية الكبيرة لتطور الثورات وتتاليها على الطغاة ، والاصلاحات العميقة الجذور.

إن قيام الحسين عبرة لما له من مسار عام ، وسمات نوعية في مختلف بلاد الإسلام ، وما له من تحديد للأساس الديني العريض للثورة المحمدية ، والتقدم السلمي لها،  مما جعل من الممكن تغيير بعض الأشكال الجائرة في الأنظمة الحاكمة في الأمة ،  وتحطيم جدار الجاهلية الثانية في كيان الأمة .

إن قيام الحسين عبرة .. باعتباره أداة قوية لبناء السلام. حين تدهور العمل أو دهورته النظم الدخيلة ذات الجذور الجاهلية التي كانت أهدافها التركيز المتزايد لسلطتهم في أيدي الطلقاء وأشباه الطلقاء من عبيد الإماء ، وقلب خلافة الله الى مؤسسة وراثية .

فقيامه عليه السلام صناعة قائمة وصياغة محكمة مستمرة دائمة ، تدفع العطاء بسخاء لخلق مجتمع يتوقد بأتون الجهاد والنضال الصلب، من اجل استقلال المسلمين سياسيا واقتصاديا ودينيا ضد الأموية الجاهلية من عناصر الضلال .

  • إن قيام الحسين عبرة  وأساس ديني سياسي لدولة الإسلام في كتلة تؤمن بالله وبالتقدم للمجتمع المسلم المناضل لكسب الاستقلال الكامل من منطلق قول  الإمام الحسين عليه السلام " والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل "  القول ألنوري المشّرف والشّلال المتدفق ، والنجم الشامخ المتألق في مناهضة أي استعباد في ثورة التحرر الخالدة الثابتة والمتحركة، ثابتة في قوانينها و متحركة في تقدمها شكلا وحجما ووصفا وترتيبا .

إن قيام الإمام الحسين صوت لقانون السماء ولون لعدالة السماء وتذوق لحلاوة المساواة .

ففي القانون، والعدل، والمساواة تتحد الأفراد ويتم الاستقلال والتطور.

إن قيام  ألإمام الحسين عبرة يعلم الأجيال الحركة في الفراغ اللانهائي للأبد . حركة باتجاه واحد نحو التوحيد الخالص للخالق،  والتوحيد المخلص للمخلوق أي إنها باتجاه واحد لا باتجاهات مختلفة فتتصادم فتتلاشي ، فلا تصل الى المقصود وهذا نتاج الجهل،  فان قيام الإمام الحسين عليه السلام ليس جهلا حاشا بل معرفة ساطعة غير معتمة معرفة بالعقل مفضية إلى كشف كنه هذا العالم وماهيته هذا العالم الذي يتوق الى قائد يدفع به نحو الفتح والكرامة والعزة والشهامة .

 

إن الحسين .. قتيل العِبرة

 

لان قيام الإمام الحسين عليه السلام حركة كما قال عليه السلام " فإني مقدم مصبحا إن شاء الله ".  والحركة حرارة، والحرارة تتحول الى أنواع مختلفة للطاقة، حرارة رفعت بالنصراني كوهب وبالعثماني كزهير ، وبالعبد كجون وبالحر كالحر، وبالشيخ كابن عوسجه وابن مظهر، وبالشاب كالعباس والأكبر، وبالصغير كالقاسم، وبالطفل كعبد الله بن الحسن ، وبالرضيع كعبد الله بن الحسين ، وبالنساء كزوج علي بن مظهر ألأسدي، بل كزينب عقيلة بني هاشم.

وبهذه الحرارة متعددة الطاقات رُمِّ رم هيكل الإسلام من جديد، بعد ما صدعته معاول الجور والانقلاب على الأعقاب .

 

توضيح الحركة الحرارية لقيام الإمام الحسين عليه السلام

يظهر لهيبها، وتثقب شهبها من هذه المقولة الصارخة، المدوية بحر الأجيال قال الإمام عليه السلام" ما خرجت أشراً، ولا بطراً، ولا مفسدا وإنما خرجت من أجل الإصلاح في أمة جدي ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..".

مقولة تنبض بالحياة والحرارة، وتبين الجوانب الدنيوية، والجوانب الحقيقة، لكل خروج على نظام.

الجوانب الدنيوية، التي يخرج من أجلها أهل الدنيا وطالبو العرض الزائل الزائف، هي بمنأى عن أهدافه ومسيرته. فهو لا يريد بخروجه الإيجابيات الأشِرية و البطريه، ولا الدوافع السلبية من الإخلال بالأمن والإفساد في الأرض بل، وهو الإمام المصلح ، يتبع الحق، ويبغي الحق للخلق في إصلاح أمة جده بعد الإفساد،  فلا إصلاح إلا لإفساد وكل خروج كان مبعثه الإصلاح والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سيكتب له النجاح. قال الله تعالى: { ولقد كتبنا في ألزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون}. ولا غرو فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمح لقيام الحسين عليه السلام " إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة".

  • قتيل العَبرة

وآية عبرة لا تسيل، على مصارع آل الرسول، على مصارع لم يشهد التاريخ بمثلها، احتوت على جميع فنون الإجرام، وضروب الآثام أقدم عليها آل أمية يوم الطفوف بحيث انتزعت الرحمة من قلوبهم فعادت كربلاء مضرب مثل في الأسى والمآسي، بحيث أضحى التصور لما جرى على حبيب الرسول وأهل بيته وأنصاره كافياً  لشق الأخاديد على الخدود و تلقائيا بلا حدود.

 

كما قال الشاعر:

 

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة                      لكنما عيني لأجلك باكية

تبتل منكم كربلا بدم ولا                        تبتل منى بالدموع الجارية؟

 

فالانفعالات الناشئة عن تلك الفجائع الموجبة للألم هي مشاركة وجدانية لما حل بأهل البيت الكرام من مصائب عظام، فهي تطغى على القسوة والجفوة والميول الأنانية باستعداد نفسي، ينزع بالمؤمن المتمثل لتلك الأدوار العجيبة الى الشعور بالانفعال، تلو الانفعال ، وبالقيام بالبكاء والنحيب ، وسلوكيات حزينة شديدة الوطأة على النفس وعلى العاطفة بالوجدان إن الانفعال الموجب للبكاء على مصائب أهل البيت وشهداء الطفوف يتبع التصور لما حل بساحتهم من المعاناة القاسية حيث صورها أحد شعراء ألطف بقوله :

مشى الدهر، يوم ألطف، أعمى فلم يدع                 عماداً لها إلا وفية تعثرا

تعثر الدهر، بأعمدة الدهر فاعتصر القلب              بالآم المر وبالأسى والقهر

 

إن البكاء على الحسين حالة طبيعية ومشاركة وجدانية تتفتح بها آفاق على الحقيقة التي من أجلها أريق دم الحسين لأجل بني الإسلام .

إن اللائمين ويوجد على الساحة من اللائمين على المؤمنين في بكائهم على مصاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لم تنكشف لديهم تلك الرؤى ، والحقائق المؤلمة التي حلت بفناء آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 

ونختم القول :

       بإّن الحسين قتيل العبرةِ فهو مجدد بناء الإسلام، وقتيل العبرةَ والعواطف المشبوبة المعذبة، المصحوبة بالذكريات الصعبة .

           حيث الحسين بكربلا خيل العدى طحنت ضلوعه

             ورضيعة بدم الوريد مخضّب فاطلب رضيعه

أترى تجئ فجيعة بأمض من تلك الفجيعة